عنوان صحيفة “الطليعة lavanguardia” الصادرة في اسبانيا كان معبرا في وصف ما انتهت اليه الانتخابات التي جرت أمس الأحد، ويقول العنوان: “سانشيز فاز، واليمين يحكم مدريد واليسارالجمهوري لكاتالونيا يستولي على برشلونة”.
وجدير بالذكر أن حضور مدريد وبرشلونة في هذا العنوان إنما للأهمية المركزية للمدينيتين في المنظومة السياسية والديمغرافية والرمزية، مما يجعل الفوز ببلدية مدريد مثلا، من طرف الحزب الشعبي يغطي على التراجع المهول لهذا الحزب مقارنة مع الانتخابات الجماعية الماضية، من 21 مقعدا سنة 2015 الى 15 مقعدا في 2019. الشيء الذي جعل إحدى الصحف تصف تصدر الحزب الشعبي لنتائج اليمين بأنه “منح الاكسيجين” لزعيم الحزب “كاساذو” الذي سارع واصفا تلك النتيجة بما عرف في قاموس كرة القدم الاسبانية ب “الريمونتاذا” أو العودة في النتيجة من بعيد.
ان العنوان المذكور يمثل تلخيصا لحقيقة نتائج الاستحقاقات الانتخابية التي تغير نمطها من جهة الى اخرى، فبينما شهدت جهتا كاتالونيا وأندلسيا مثلا اقتراعين انتخابيين، الأول يتعلق بالانتخابات الجماعية، والثاني بالانتخابات الأوربية، فإن اثنى عشرة جهة منها مدريد، شهد يومها الانتخابي اقتراعا إضافيا يتعلق بالانتخابات الجهوية، ومعلوم أن جهة أندلسياً كانت قد نظمت انتخاباتها الجهوية في شهردجنبر من سنة 2018.
أهم حصيلة مؤقتة لهذه الاستحقاقات الانتخابية الى غاية اليوم يمكن الاشارة اليها وفق التالي:
– الانتخابات الاوربية
شهدت هذه الانتخابات تصدر الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني بزعامة “بيذرو سانتشيز”، حيث حصل على 20 مقعدا من مجموع 54 المخصصة لاسبانيا في البرلمان الاوربي مقابل 14 مقعدا حصل عليها سنة 2014، في مقابل حصول غريمه التقليدي “الحزب الشعبي” على 12 مقعدا، متراجعا بمقعدين عن النتيجة التي حصل عليها سنة 2014.
وإذا كانت هذه النتائج تعكس عودة الحزب الاشتراكي الى استعادة قوته، فإن أبرز نتيجة تسجل على هذا المستوى هي فوز حزب “فوكس” اليميني العنصري بثلاث مقاعد في البرلمان الاوربي، مؤكدا بذلك النتيجة التي سجلت على الصعيد الاوربي والتي تتمثل في عودة الاحزاب اليمينية الى الواجهة. كما افضت الانتخابات ذاتها الى تمثيلية قوية للاحزاب الاستقلالية الكاتلانية، حيث يسجل فوز الزعيميين الرئيسيين “كارليس بوجديمون” و “اوريول خوانكيراس”.
– الانتخابات الجهوية:
على صعيد الانتخابات الجهوية، وبعد النتائج التي سجلها اليمين في انتخابات جهة اندلسيا، حيث تحالفت الاحزاب الثلاثة المشكلة لهذا القطب، عاد الحزب الاشتراك الاسباني الى تأكيد قوته، الشيء الذي تؤكده قدرته على تسيير جهتين بمفرده، وهما “جهة كاستيا دي لامانشا” و “جهة اكستريمادورا”، حيث حصل في الجهتين على اغلبية مريحة تغنيه البحث عن التحالف.
وفوق ذلك جسد حضورا قويا باحتلاله المرتبة الاولى بين التشكيلات المتنافسة في اغلب الجهات، واصبح بمقدوره قيادة التحالف إما مع حليفه “بوديموس” او مع احزاب جهوية أخرى، وهي حالته في جهات “أستوريا” و”لاريوخا” و”نافارا”، وجهة ” كانارياس” وجهة “البليار”.
الحزب الشعبي مرشح لرئاسة جهة مورسيا وجهة مدريد وجهة كاستيا ليون وجهة الميرية بالاضافة الى مدينتي سبتة ومليلية، لكن لم يحصل في اي من هذه الجهات على الاغلبية المطلقة، بل يفترض ان يتحالف فيها مع حليفيه “سيوذاذانوس” و”فوكس”.
– الانتخابات البلدية
تصدر الحزب الاشتراكي الاسباني المشهد الانتخابي بحصوله على 29.26 % من الاصوات. مما مكنه من الحصول على 22329 مستشار جماعي، بينما حصل الحزب الشعبي على المرتبة الثانية ب 22.23 % من الاصوات وقد مكنته من الحصول على 20325 مستشار جماعي.
واذا كان الحزب الاشتراكي قد تصدر النتائج في عدد كبير من الجماعات، حيث شكل القوة الانتخابية الاولى بالمقارنة مع باقي الاحزاب، حيث احتل المرتبة الاولى من حيث عدد النتائج في العديد من البلديات والجماعات، فإن ذلك لم يمكنه من تسييرها كلها، اعتبارا لما يلاحظ في إسبانيا من بداية تشكل للثنائية القطبية، حيث أن أصوات اليمين المكونة أساسا من “الحزب الشعبي” مضاف اليه حزب “سيودادانوس” و”حزب فوكس”، حليفيه السابقين خلال انتخابات جهة اندلسيا دجنبر 2018، ستمكن الحزب الشعبي من الفوز برئاسة الكثير من البلديات باعتباره المتصدر للنتائج وسط القطب اليميني، وهي حالة بلديات مدريد ومالقة والميرية وقرطبة مورسية وغرناطة وخايين وغيرها، بينما يسجل على قطب اليسار ضعفه على صعيد التحالف، فما عدا الوزن الهام الذي يحتله حزب بوذيموس كحزب له امتداد وطني، في بعض البلديات مثل” كاديس” فإنه يبقى رقما متواضعا، لاسيما بعد تأثره الظاهر من الانشقاق الذي قاده أحد قادته المؤسسين بجهة مدريد.
وما عدا هذا الحزب فمن الصعب في الوقت الراهن التعامل مع اليسار الاسباني كقطب واضح المعالم، وذلك بالنظر الى غياب اي حزب آخر يضمن دعما انتخابيا للحزب الاشتراكي الاسباني، بل وإن اغلب الاحزاب القريبة من اليسار الاسباني والتي يمكن أن تكون قريبة من عائلة اليسار نجدها تتسم بطابعها الجهوي، كحالة اليسار الجمهوري الكاتلاني الذي فاز ببلدية برشلونة وبعدد من الجماعات المتواجدة داخل اقليم برشلونة.