على هامش مسودة 22/20

يعاد نشرها بعدما نشرت كتدوينة فيسبوكية في 29 ابريل 2020

إن التاريخ هو بعد أساسي لفهم الأشياء والظواهر ، ومناسبة هذا القول هي النقاش الذي اثاره موضوع تقنين حرية التعبير، او بالأحرى مسودة مشروع القانون رقم 22.20.

اريد فقط ان نفهم جميعًا ان نزوع المحافظة هي غريزة كامنة في الإنسان، لكنها ليست الا تعبيرا عن السذاجة وعدم الاستيعاب الجيد لما يحيط بالإنسان من تغيير، ويحضرني في ذلك ما دونه التاريخ السياسي للحركة العمالية عندما واجه العمال في أوروبا تصاعد أهمية الآلة، أي ما يعرف بالمكننة، بتحطيم الآلات والالقاء بها في الوديان، كرد فعل قائم على التخوف من أثرها على مركز العامل في منظومة الاقتصاد، حيث تم النظر اليها باعتبارها منافسة له ومهددة لمناصب الشغل، ومحطمة لسلم الأجور القائم أنا ذاك.

الحركة التي عرفت ب “luddisme »، برزت خصوصا مع مطلع القرن التاسع عشر، وكان لها صدى وأثرا، جعل المنظرين يرجعون الى إطلاق نفس التسمية على موقف محافظ حديث، نضج خلال الربع الأخير من القرن العشرين، يسعى الى التصدي للتطور التقني، أطلق عليه ” le neo-luddisme”.

وإذ لا نتعرض لهذه المسألة من زاوية الصواب، فإننا لا يمكن أن نهمل العديد من المواقف سجلها التاريخ، ومن جملتها موقف الكنيسة من كروية الأرض ودورانها حول الشمس، لقد عوقب صاحب الفكرة ليس بالحبس بل بالحرق، تعبيرا عن مدى رد الفعل الموغل في المحافظة.

كل ذلك، لم يوقف الكرة الأرضية عن الدوران، ولم يقف في وجه التاريخ، الذي بين أن النزوع إلى المحافظة سبب للتخلف، وأن الثقافة يجب ان تواكب التطور الذي يشهده الواقع، بتمثله واستيعابه والعمل على التأقلم معه.

ويجب ونحن في حضرة التاريخ، أن نرجع الى واقعة تاريخية هامة، انها اختراع الطباعة، لم يعد يجادل احد في أنه كان من أسباب دمقرطة المعرفة، فبعدما كانت شأنا نخبويا لقرون طويلة، ساهمت العديد من العوامل في تعميمها وانتقالها الى شرائح مجتمعية فقيرة، لم يكن ولوجها الى المعرفة الا من باب الصدفة، بل وجعلت الجسور والتباعد يتقلص بين الشعوب والأمم.

ينطبق هذا الوضع في رأيي المتواضع على حال وسائل التواصل الاجتماعي، الفيسبوك والواتساب وغيره من التطبيقات والوسائط التي كسرت هيمنة المال، ونتج عنها دمقرطة التواصل والإعلام، وأصبحت وسائل يلجأ اليها المال وغير المال، يستعملها الفقير والغني، حتى وان لم تتحقق بينهما المساواة، لكنها تساوي بينهما في فرص التعبير والرأي، وفي فرص مراقبة الشأن العام والتأثير على السياسات، ولو من باب الشكل.

اليوم ظهر النزوع الى المحافظة في موقف الحكومة، لقد ارادت ان تكبح التطور، وبموقف ساذج قوامه التالي: يجب أن يبقى التواصل الاجتماعي مجالًا للحملات الانتخابية وحقلًا للدعاية للشركات ومنتجاتها، وبلغة اصحاب المال الذين عبرت عنهم مبادرة 22/20, يجب أن يظل التواصل الاجتماعي سوقًا لبيع السلع، لكن دون فرص نشوء وعي استهلاكي، ودون مجال للحديث فيه عن حقوق المستهلك، ولا تشتغل فيه أي مبادرات مدنية تصب في اتجاه حماية الإنسان او الدفاع عنه، وبذلك يعود المال الى فرض قوانينه، ويتحكم وحده في هذه الوسائط ليجعلها وسيلة ربح مادي خالص وخاص بفئة غنية دون الفئات الأخرى، هذا إذا تكلمنا عن المجال الافتراضي المذكور كحقل لإنتاج المال وتوزيعه.

إن المشكلة هي في رضوخ ومسايرة الحكومة لمثل هذا النزوع الموغل في المحافظة، فما هي استفادةالحكومة من هذا القرار؟ هل استندت الى دراسة لجدواه؟ وهل تعلم عدد مناصب الشغل في المغرب المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي؟ وهل كان السلوك بإيعاز من الرأسمال؟

ثم، كيف يمكن ان تحد الحكومة من الوظيفة التواصلية لوسائل التواصل الاجتماعي؟ كيف يمكن أن تفكر في إعدام الوظائف المطلبية والسياسية لهذه الوسائط؟ كيف يمكن أن تفكر في إعدام إحدى أهم المجالات الحيوية التي تعرف من خلالها اتجاهات الرأي العام وتؤثر فيه من خلالها إن لم نقل تصنعه؟ كيف نقتل مجالا لظهور اهم المبادرات السياسية والاجتماعية؟